على هامش الندوة العلمية الموسومة (الابداع والتعليم) التي اقامتها وحدة أبحاث الطفولة
في بيت الحكمة بالتعاون مع قسم التربية وعلم النفس في كلية التربية -ابن الهيثم.
بغداد - توفيق التميمي
مازال جيلي يتذكر الموهوب (عادل شعلان) الذي شاهدنا براعته ونبوغه في علم الرياضيات ولغة الارقام ضربا وجمعا وتكسيرا في عمليات مركبة ومعقدة تتطلب مهارات خاصة تستغرق وقتا طويلا لايجاد طريقة الحل بينما بالنسبة لشعلان لم تحتاج سوى لحظات قصيرة ودقائق معدودات.
كان الفضل في الترويج لموهبة عادل شعلان يعود الى البرنامج الاسبوعي الشهير العلم للجميع الذي كان يعده ويقدمه الراحل كامل الدباغ خلال فترة ستينيات وسبعينيات القرن السابق، اختفت اخبار شعلان مع مرور الوقت وتعاقب الاحداث ولم تعد السلطة السياسية بتوجهاتها العسكرية ونزعتها البوليسية بحاجة الى تتبع اخبار موهوب ومبتكر مثل عادل شعلان وضاعت اخباره بسطوع نجوم ومشاهير ابطال الحروب ورجال القمع وجنرالات الموت، لم تضع اخبار عادل شعلان لوحدها بل لم يشهد العراق منذ تلك المرحلة ولا قبلها سواء في مؤسساته التربوية او مراكزه البحثية او انشطته العلمية اي ثقافة تركز محورها باتجاه مجسات لاكتشاف المواهب المبكرة عند الناشئة في مختلف فعاليات الانشطة الذهنية واشكال الابداع الانساني، كما افتقدت مناهج وخطط وزارة التربية والتعليم العالي وهما الدائرتان المعنيتان بالموضوع مباشرة الى خطط تربوية وبرامج تعليمية لاكتشاف الموهبين والمبتكرين وتتبعهم ورصد تحولاتهم ودراسة ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية كما هو الحال في بلدان العالم المتقدم التي يشكل لها هذا النمط من البشر رأسمالا بشريا لا يعوض يرفد مؤسساته البحثية والانتاجية بادارت ماهرة وعناصر مهمة من عناصر التنمية البشرية وستراتيجيتها المستقبلية.مات عادل شعلان في ظروف اجتماعية بائسة وغامضة ولم يعد احد من جيلنا يتذكر موهبته النادرة في علم الارقام والرياضيات كما لم يستفد منه مجتمعه العراقي ولم تستثمر كفاءاته في الرياضيات والارقام في اية مؤسسة بحثية او انتاجية حسب معلوماتنا ولم تحتفل به وسائل الاعلام او تتابع اطوار حياته وتحولات موهبته او انكسارها في ظل تحولات سياسية ومجتمعية لاترحم .
محنة الموهوب العراقي
هذه القصة الحزينة تحكي باختصار محنة الابداع العقلي بشكل عام ومحنة الموهوبين بشكل خاص في بلادنا.
وتزداد القصة ألما ومأسوية مع قصة النزيف العلمي العراقي خارج بيئته واستفادة شعوب العالم من هذه العقول وحصد ثمارها اليانعة العراقية ومازالت تشكل هذه القصة الملحقة بقصة الموهوبين تحديا للحكومة الحالية في استعادة هذه الثروات البشرية لبلادها والمشاركة بعمليات البناء والتطوير العلمي المنتظر لمرافق ومؤسسات الدولة في طورها الجديد.
البيئة ام الوراثة؟
اختلفت مدارس ونظريات علوم التربية والنفس وعلم المواهب بالاجابة عن السؤال المتعلق بمسؤولية البيئة او الوراثة في صناعة الموهوبين .
ولكن الدراسات الحديثة العلمية اثبتت ارجحية تأثير البيئة والظروف الاجتماعية والمؤثرات السياسية في تنمية الموهوبين وكذلك قمعها .
بطر وترف أم ضرورة لابد منها؟
هل يمكن ان يكون التفكير في ظاهرة الموهوبين واكتشافهم في هذه المرحلة التأسيسية من تاريخ العراق ومواجهة تاريخ متراكم من حملات التخريب التربوي والاخلاقي وتعرض المؤسسة التربوية لاكثر الصدمات ترويعا واهتزازاً وخاصة في حقبة عسكرة المجتمع وانقلاب موازينه، نوع من بطر او ترف او خطوة قبل آوانها لابد من ان تسبقها خطوات في ظل عملية تربوية تعاني من مشاكل وتعقيدات بكل اطرافها المنهج والمعلم والمتعلم. اعتقد ان ذلك الوضع الواقعي لايمنع من الاستفادة القصوى من الكفاءات الاكاديمية وخاصة في مجال الدراسات النفسية والتربوية في بناء اسس وركائز لمؤسسة تربوية واعداد برامج لتطوير المواهب واكتشافها .
ندوة الابداع والتعليم
من هذا المنطلق وفي هذا الاطار عقدت وحدة ابحاث الطفولة التابعة لبيت الحكمة ندوتها الشهرية المعنونة (الابداع والتعليم) بالتعاون مع قسم التربية وعلم النفس في كلية التربية -ابن الهيثم تضمنت الندوة محاضرتين مكثفتين في مجال اكتشاف الموهوبين والطرق العلمية بدراسة المواهب وتصنيفها وايجاد مخرجات علمية لاستثمار طاقاتهم في مجالات التنمية البشرية.المحاضرة الاولى كانت للدكتور إحسان عليوي ناصر والثانية للدكتورة ماجدةابراهيم والاثنان استاذان متخصصان في علوم النفس وتطوير الموهوبين ولهم تجارب علمية وابحاث نظرية في هذا الاطار البالغ الحساسية والاهمية .
حضور نوعي
تميزت الندوة بالحضور الكثيف والنوعي الذي اضاف عاملا من عوامل نجاح هذه الندوة التي ادارها باقتدار الزميل الشاعر والاعلامي جليل خزعل مدير وحدة ابحاث الطفولة في بيت الحكمة . التعقيبات على هامش الندوة لكل من د ناهدة المتخصصة بعلـوم التربية ود طاهرة داخل المعروفة في حقل الطفولة والبحث في اشكالاتها ومديرملحق الاسرة والمجتمع في جريدة الصباح والردود على الاسئلة والتعقيبات من المحاضرين كلها كانت تصب في الآمال التي تداعب التربويين والاعلاميين والمربين في تعاون جميع المؤسسات الرسمية والاهلية الحكومية والمدنية في تضافرجهودها في اعادة الاعتبار لبرنامج يضمـن للموهوب العراقي فرصة كافية للتعبيرعن كفاءاته الذهنية واستخدامها في برامج التنمية المفتوحة لبلاد في طـور انتقالي نحو الديمقراطية ومؤسسات الحكم اللبرالي واقتصاديات السـوق المفتوحة للاستثمار والمنافسة المشروعة وعدم ضياع الفرصة التاريخية باهدار المواهب النابغة في فوضى الحراك الاجتماعي الذي تضيع في ايقاعات صخبها العملة الجيدة والرديئة وتضيع فيها كذلك فرص الاستفـادة من المواهب التي تتجلى بابداعات وسلوكيات لايمكـن رصدها الاعبـر مجسـات علمية حساسـة وبرامــج رصينة طويلـة الامـد